روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | إيقاد الشعلة...إطفاء للشعلة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > إيقاد الشعلة...إطفاء للشعلة


  إيقاد الشعلة...إطفاء للشعلة
     عدد مرات المشاهدة: 1982        عدد مرات الإرسال: 0

بسم الله الرحمن الرحيم:

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ وبعد..

شعلةُ الأولمبيادِ وما أدراكَ ما شعلةُ الأولمبياد؟ إنها مفارقةٌ عجيبةٌ أنْ يكونَ إيقادُ شعلةٍ معَ ما فيها من الإضاءةِ والإنارةِ إطفاءً لشعلةٍ وجلباً لحنادسِ الظلامِ، نعمْ إنهُ في هذا الزمانِ الذي لا ينقضي العجبُ فيهِ من أهلهِ لا منهُ فالزمانُ لا يذمُ ولا يعابُ في الحقيقةِ وإنما الذمُ والعيبُ والنقصُ ينسبُ لأهلهِ لا له..

نعيبُ زماننَا والعيبُ فينا *** وما لزماننِا عيبٌ سوانا

ونهجو ذا الزمانِ بكل عيبٍ *** ولو نطقَ الزمانُ لنا هجانا

كمْ هيَ الخُطَا متسارعةٌ والجهد حثيثٌ والسعيُ متواصلٌ إلى أينَ يا تُرى إلى المعالي والعوالي؟ أمْ إلى الهوى والهاويةِ؟!!.

لقدْ ابْتُليتْ الأمةُ بالتخلفِ عن ركبِ الحضارةِ والتقدمِ ولفتِ أنظارِ العالمِ إليها بلهَ عن قيادةِ العالمِ والإمساكِ بزمامِ السيادةِ فيه وهيَ المُؤَهَلةُ لذلكَ، وتأملْ أخرجتْ للناسِ أي لجميعِ الأممِ أيْ خيرُها وبركتُها ونورُها لايختصُ بها، وهذا ما عمَّ الأرضَ ديناً ودنياً قِيَماً ومباديءَ ومنتجاتٍ حضاريةٍ في القرونِ الخيِّرة لما كان التمسكُ بكتابِ اللهِ وسنةِ رسولهِ صلى اللهُ عليه وسلم هو المهيمنُ على شؤونِ الحياةِ، ولم يكنْ يوماً عائقاً لها أو حاجزاً عنْ كلِّ رقيٍّ وتقدمٍ    -كما يزعمُ المتهوكونَ اليومَ من الليبراليين والعلمانيين– بل كانَ مهمازاً لها وحافزاً وباعثاً ومستخرجاً لمكامنِ القوةُ والهمةِ والعزيمةِ فيها.

وها نحنُ اليومَ نحتسي علقمَ البعدِ عن مكامنِ والقوةِ والسؤدُدِ في التمسكِ بالحبلينِ المتينينِ    -الكتابِ والسنةِ- ونتجرعُ مرارةَ التخلي عن الإهتداءِ بالنورينِ العظيمينِ في شؤوونِ حياتِنا:

عبادُكَ في شرقِ البلادِ وغربها *** كأصحابِ كهفٍ في عميقِ سباتِ

بأيمانهم نورانِ وحيٌ وسنةٌ *** فما بالُهُم في حالكِ الظلماتِ

لقدْ نجحَ الغربُ بحقنِ جسدِ الأمةِ بفيروسات متعددةٍ في أماكنَ حساسةٍ لتمارسَ أدوارَها في إنهاكِ هذا الجسدِ الذي كلَّما قربَ شفاؤُه إنتكسَ مرةً أخرى، ولكنْ يعلمُ الغربُ وأذنابُهُ ويتيقنونَ أنَّ هذا الجسدَ لا ولن يموتَ، لأنه قدرٌ كونيٌ قدرَّه اللهُ ببقاءِ هذهِ الأمةِ ليسَ ذلك فحسبُ بلْ وإنتصارُها وغلبتُها {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.

لقدْ صُوبَتْ إلى مجتمعِنا عدةُ سهامٍ لمحاولةِ النيلِ منه وزعزعتِه فكريّاً ورغبةً في تشظيهِ وافتراقِه والقوسُ الذي تنطلقُ منه هذهِ السهامُ هو الحريةُ المفقودةُ زعموا، ومن أحدِّ هذه السهامِ وأنكاها سهمُ المرأةِ التي يزعمونَ تهميشَها وسلبَ حقوقِها والسيطرةَ عليها وكبتَها، ويطالبونَ بضدِ ذلكَ المتمثلِ في التقدمِ والحريةِ والتنميةِ والبناءِ والسعيِ وراءَ العالميةِ، ويعنونَ به خلعَ حجابِها وإبرازَها للناسِ بحجة سعةِ الأقوالِ والإختلافِ في ذلك، وقيادتِها للسيارةِ لقضاء حوائجِها لأنَّ حاجاتِها الضروريةَ كلَّها قدْ إنقضتْ، ومزاحمةِ الرجالِ والإختلاطِ بهم في شتّى الميادينِ لأنهنَّ شقائقُ الرجالِ فلا فرقَ بينهم، وفي ممارسةِ الرياضةِ ضمنَ فرقٍ وأنديةٍ نسائيةٍ للمشاركةِ محلياً بل ودولياً، ومشاهدتِها وحضورِ ملاعبِ الشبابِ كلُّ ذلك بالضوابطِ الشرعيةِ، لأنه من أيسرِ حقوقهنّ...

ومنْ الأمثلةِ على هذهِ الحقوقِ ما يدورُ حولَ الشرفِ الذي حازتْه الفتاةُ التي إختيرتْ لإيقاد الشعلةِ في أولمبيادِ 2012م -إنْ تمّ- وهوَ بالتالي شرفٌ للبلادِ التي تنتسبُ إليها.

ولا ينقضي العجبُ في التمحلِ لإيجادِ مبرراتٍ لهذهِ المشاركةِ والتي في حقيقتِها:

ـ إطفاءٌ لشعلةِ الإعتزازِ والفخرِ بهذا الدينِ العظيمِ وعدم مشاركة الكفار في أعيادِهم وشهودِ زورِهم حيثُ الحرصُ على الإحتفالِ والمشاركةِ في ما يسمى بالدوراتِ الأولمبيةِ الرياضيةِ   -عيد الأولمبياد الإغريقي- والذي إستحسَنه بعد ذلك أرباب النصارى، فأدخلوهُ على دينِهم المحرّفِ، وأصبحتْ ترعاهُ الأممُ النصرانيةُ الكافرةُ، ودخلَ بقلوبِ الجهلةِ من المسلمين بتسميتِه القديمة، وشعائرِه وشعاراته الوثنية الموروثة كإشعالِ الشعلةِ الأولمبية، وتصديرِها من ضفافِ سهولِ الأولمب في بلادِ الإغريقِ القديمةِ بجانبِ صنمِ طاغوتِ الإغريقِ الكبيرِ زيوس، وهي -كما زعموا- رمزٌ للعدالةِ، وفي الحقيقةِ هي عقيدةٌ وثنيةٌ تعني: رمزَ خلودِ آلهتِهم التي يعبدُونها من دونِ الله عزَّ وجلَّ، وتعني تلكَ النارُ المشتعلةُ: قيامُ الطاغوتِ بروميثيوس بسرقةِ النارِ من الطاغوتِ زيوس، وإعطائِها لعامةِ الأمةِ الإغريقيةِ كما بعقيدةِ الميثولوجيا الإغريقية.

ـ إطفاءٌ لشعلةِ الحياءِ والحشمةِ والعفافِ والصيانةِ والرعايةِ للمرأةِ المسلمةِ حيثُ ستكونُ المشاركةُ إلى جانبِ 8000 رياضي ورياضية وما همْ عليهِ من التبذلِ والتفسخِ والتعري والذي يرونهُ من مظاهرِ تقدمِهم وحضارتِهم، فهلْ يليقُ بمن اتسبَ إلى أعظمِ دينٍ صانَ المرأةَ وحماها وعزّز كل سبيلٍ لصيانتِها وحفظِها والمحافظةِ على سَترِها وحشمتِها وبعدِها عن مواطنِ الرجالِ فضلاً عن إختلاطِها وإمتزاجِها بمن لا خلاقَ لهم وإعانتِهم والإحتفالِ معهم بمنكرِهم وباطلِهم معَ ما هم فيه في ذلكَ اليومِ من إطلاقِ العنانِ لشهواتِهم وغرائزِهم من سكرٍ وعهرٍ فرحاً وابتهاجاً.

ـ إطفاءٌ لشعلةِ المباينةِ والمفاصلةِ والكينونة المتفردةِ وعدم الذوبان في الآخر والتبعيةِ له مهما امتلكَ من مقوماتِ الرقي وحازَ منْ أدواتِ الحضارةِ، فنحنُ أمةٌ لها تاريخُها وحضارتُها وأمجادُها التليدةُ وإن فقدتْ، فإستعادتُها ليستْ بالتمرغِ على عتباتِ الغربِ وإستجدائهِ وإستعطافهِ ومحاولةِ إرضائهِ بالتشبهِ به والسيرِ على نموذجه، فالإسلامُ يعلو ولا يعلى عليه {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

وما يريدُه الغربُ منّا هو أن نكونَ كالدميةِ التي تحركُها يدُ الممثلِ على خشبةِ مسرحِ الأطفالِ، يوجهُنا حيثُ يشاءُ ويريدُ لنا ولا نريدُ لأنفسِنا، وليسَ معنى هذا عدمُ الإستفادةِ منه أو الاحتكاكُ به فنحن خيرُ أمةٍ أخرجتْ للناسِ كما سبق، ولكنْ بمحافظتنا على هُويَّتِنا وقيمِنا.

ـ إطفاءٌ لشعلةِ هيبةِ إجتماعِ الكلمةِ وإتحادِ الصفِّ وعلو صوت الحق وخفوت صوت الباطل فهذه المشاركةُ إنْ تمتْ فهي منسوبةٌ لهذه البلادِ وتمثيلٌ لأهلِها بل يريدُون الوصولَ إلى أبعدَ من َ ذلك وأنها تمثِّلُ الإسلامَ دعوةً وتسامحاً ومحبةً، وفي ذلك إفتياتٌ على الأمةِ ومصادرةٌ لكرامتِها فهذه المشاركةُ لا تمثلُ إلا نفسَها ومن وافقها، ولا أظنُّ مسلماً يرضى بهذا التمثيلِ له في تلك المحافلِ الوثنيةِ الفاسدةِ بهذه الصورةِ.

وفي هذه المشاركةِ فرحٌ وإستبشارٌ لأهلِ الباطل بأن المرأةَ إنتصرتْ بنزعِ شيءٍ من حقوقها المسلوبةِ وحريتِها المختطفةِ.

وأخيراً إنْ لم تحصلْ هذه المشاركةُ بإيقادِ الشعلةِ أو لم تحصلْ المشاركةُ للمرأةِ السعوديةِ في هذا الأولمبيادِ فقدْ حصلوا على حجز مؤكدٍ لدورةٍ أخرى من خلالِ ما ظهر لهم من نتائجَ حولَ هذا الموضوعِ وكسرٍ لحاجزٍ لم يكن سيكسرُ يوماً ما.

الكاتب: حسن بن علي بن أحمد الفقيه.

المصدر: موقع صيد الفوائد.